في خضم الانتخابات وسعير الاصوات التي ترفع شأن لحية فلان وتحط من شأن شارب فلان،وفي أوار تصفية حسابات الفصائل السرية لاغتيالات ماقبل الوصول الى صندوق الحرب الثالثة لصناديق الاصابع البنفسجية،بكل هدوء ينسحب من المسرح عراقي فقير اسمه عبد اللطيف الراشد وهو يقول لنا: اللعنة عليكم ساترككم وحيدين مثل احلامي الضالة.
قبل يومين ودون ان يودع عبد اللطيف أحدا،ترك غرفته البائسة في الميدان وتوجه الى رائحة أخته الفقيرة في المحمودية،ربما ليتذكر ان أحدا على هذه الارض يقول له انت خالي،وربما ليشم رائحة التمن المنزلي الذي افتقده حين سكن وحيدا الا من احلام نسائية تزوره بين الغفوة والسكرة،هكذا بكل هدوء القطط البرية ينسل عبد اللطيف الراشد الى المحمودية ويترك خلفه بغداده التي (طيّحت حظّه) وأوصلته الى العيش بين الجدران الموبوءة بأوجه القواويد والمومسات الفاضلات،تنسل خطاه وهو يعبر رصيف العمر الذي نسي انه عمره هو وليس عمرا مستأجرا مثل وجهه،كان يقول ساموت قريبا خوات القحبة وليس فيكم من يمد يده إلي،تريودني أن أنام مثل عقيل على قارعة الطريق حتى تنهشون بلحمي ،أقول له:لاتخربط الموت مل منك ايها اللطيف غير الراشد،لكنه يقول قل لحسن النواب ان يرسل لي فخذ امراة تعيدني الى حياتي،لقد هجرتني رائحة اللحم الحي،واشهد انني اوصلت كلمته التي لم ينفذها حسن النواب.
اصدقائي :لعنة الله على الانترنت الذي عرّفني بكم ولعنة الله على حزني الذي عرفكم بنفسه،لقد سكت قبل يومين قلب عبد اللطيف الراشد في المحمودية،وحيدا مثل قط،وغريبا مثل بومة عمياء،لاشيء يثير الريبة فيه سوى شيبه الذي يشبه خصلات قنفذ مراهق بين قنفات مقهى حسن عجمي،لم يبق خلفه قنينة عرق تعتب عليه،لقد كرع ماسمح له جيبه به،وحين نضب بئر جيبه لم يجد سوى ان يبتعد دون وداع ليقول لنا:الآن احملوا عاركم وحدكم،ساترككم وحيدين مثل قلبي الذي لم ترقّ له فلانة ولم تعتب عليه علاّنة،ساترككم تعلنون محبتي وانني الفقيد الرشيد بينكم والصعلوك الذي ودعكم دون حياء،ساصفع ذكراكم بذاكرة سيجارتي المطفأة.
اي نكتة سمجة هذه حين يموت عبد اللطيف الراشد في زمن المفخخات وصناديق الاقتراع الناسفة،ويكون اول المتطوعين لتنفيذ حظر التنقل قبل يوم الانتخاب،وأن يكون اول عراقي يقترع مع المساجين وزوار المستشفيات واول من يضع اصبعه في صندوق التابوت ليغمس نفسه في حبر التراب البنفسجي.
ليحيا كرش الطالباني،ولتحيا فيدرالية لبن اربيل،ولتعش فلوجة الرقاب المقطوعة،لتعش جبهة التوافق على خازوق العراق،لتحيا الائتلافات الموحدة لاجرة نقل الركاب،لتعش كروش السياسيين،وافخاذ السياسيات،لتحيا لحية سرجون وعانة جلجامش وخصية انكيدو،لتحيا فيدرالية السيّاح والبيض المقلي،لتحيا دشداشة شاكر...لقد مات عبد اللطيف الراشد فأي عراقي فقير لايموت!
صديقي الذي عرفته،أعتذر لانني قبلت توصية صديقنا ناظم السعود ان ابث خبر موتك رغما عني،لكن تأكد انني اكثر حزنا من قلبه عليك،نعتذر منك لاننا قصرنا معك لان ايادينا قصيرة لاتحسن الا اصطياد رغيف الخبز لاطفالنا،نعتذر لان ارواحنا حزينة لاتحسن غير اصطياد كلمات النعي التي لاتجلب لك لفة فلافل،نعتذر لك لاننا مشغولون بتربية كروشناواطالة شواربنا وصبغ لحانا بالابيض الناصع حتى نلاقي الله بقلب سليم،نعتذر منك لان الشعراء والادباء لايهمهم ان يموت مثلك على قارعة الطريق بينما هم يتمزمزون ببيت شعر حاضت به شفاههم،الاغنياء لايهمهم ان تموت انت ماداموا يعيشون تحت مظلة الدولار،بالامس مات عقيل ومؤيد نعمة،واليوم تموت انت،انه عام الذل الذي ضربه التيه على وجوهنا ونحن نتساقط مثل معطف بأكملنا.
أعلم يااخي الراشد انك عشت وحيدا ومت وحيدا ودفنت وحيدا،ربما فرحت وانت ميت ان سمعت صوت اختك يبكي عليك فتذكرت صوت امك،وأعلم انك ربما سمعت اولاد اختك يبكون عليك فتذكرت اولاد حلمك الذين تركتهم اشباحا على رفوف جريدة الجمهورية ،قرب وجه كنت تحبه هناك ولايحبك،اعلم انك حملت برحيلك عن شارع الميدان 70 كيلو من اللحم المخمور كان الرشيد يئن تحتها،ربما سيفرح صاحب غرفتك البائسة انه سيؤجرها الى غيرك بسعر جديد،لكني اعزيك بنفسك وحدك ايها العراقي الذي بصق بوجه الحياة وذهب بعيدا.
موضوع: بغداد تودع عبد اللطيف الراشد 
الثلاثاء سبتمبر 25, 2007 11:40 am
